نموه ناهز 16٪ والنفط يسهم في نصفه تقريباً.. وخبراء يدعون إلى تعزيــز القطاعــــات غير النفطية

620 مليار درهم ناتج أبوظبي الإجـمالي في 2010

قطاع المشروعات المالية حقق معدل نمو سنوي بلغ 14.4٪ العام الماضي. الإمارات اليوم

كشفت بيانات حكومية، أمس، نمو اقتصاد إمارة أبوظبي بنحو 15.9٪ خلال العام الماضي، مع تجاوز الإمارة تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، وارتفاع ثقة الشركات والمستهلكين بالاقتصاد المحلي.

وأظهرت المؤشرات الاقتصادية، الصادرة عن مركز الإحصاء في أبوظبي ضمن النسخة الإلكترونية من الكتاب الإحصائي لإمارة أبوظبي لعام ،2011 بلوغ الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية 620.2 مليار درهم خلال العام الماضي، مقارنة بـ 535.3 مليار درهم عام ،2009 مشيراً إلى ارتفاع تكوين رأس المال الثابت الإجمالي من 155.5 مليار درهم عام ،2009 إلى 177.5 مليار درهم عام ،2010 وبمعدل نمو سنوي تجاوز 14٪.

وتعد البيانات، التي تضمنها الكتاب حول تطورات الأوضاع الاقتصادية في إمارة أبوظبي خلال العام الماضي، أول بيانات تفصيلية رسمية تؤكد تجاوز اقتصاد أبوظبي تداعيات الأزمة المالية العالمية، إذ تشير إلى أن النمو فاق كل التوقعات في الناتج المحلي الإجمالي.

وقال خبراء اقتصاديون لـ «الإمارات اليوم»، إن البيانات الإحصائية تظهر تنوعاً ملحوظاً في اقتصاد أبوظبي بعيداً عن الاعتماد على النفط، لكنه لايزال يسيطر على ما يصل إلى نصف الناتج المحلي الإجمالي، مشيرين إلى ضرورة الاستمرار في تنويع مصادر الدخل، لزيادة مشاركة القطاعات غير النفطية في الاقتصاد.

وأكدوا ضرورة العمل على الحفاظ على تراجع تدريجي لمشاركة النفط في النمو الاقتصادي، واعتماد نموذج مبني على جذب الاستثمارات، والتحول من الاقتصاد النفطي إلى اقتصاد منتج مستدام مؤثر في حركة التجارة الدولية، لافتين إلى تأثر الاقتصاد العالمي كثيراً جراء الأزمة المالية، فيما كانت الإمارات من بين أقل الدول تأثراً بها.

القطاع النفطي

قال الخبير الاقتصادي، عرفان الحسني، إن «من المتوقع أن يزداد إسهام القطاع النفطي في الاقتصادات الخليجية، ومن بينها اقتصاد أبوظبي، خلال العام الجاري، إذ إنه من الملاحظ أن الأرقام الإيجابية التي ذكرت في الكتاب الإحصائي هي أرقام عام ،2010 وهو العام الذي شهد بدء التعافي من الأزمة المالية».

ولفت إلى أن «ملامح التعافي بدأت تظهر خلال العام الماضي على الاقتصادات الإقليمية والمحلية، مدعوماً بارتفاع أسعار النفط»، واستطرد أن «النمو الاقتصادي هو أيضاً حصيلة نمو قطاعات عدة، فهو يعكس اتجاه اقتصاد الإمارة نحو النمو المتنوع، إذ تسهم أسعار النفط في مساعدة القطاعات الأخرى على النمو أيضاً».

وتابع أنه «في كل الأحوال، فإنه لا يجب الاعتماد على النفط المتذبذب الأسعار في النمو الاقتصادي وحده، بل يجب تنويع مصادر الدخل لضمان استمرار هذا النمو خلال السنوات المقبلة»، لافتاً إلى أن «هناك دولاً كاملة تنمو بصورة كبيرة من دون بيع النفط، ومنها الاقتصاد الصيني والماليزي والتركي، التي أصبحت نقاط قوة بارزة في الاقتصاد الدولي».

وأفاد بأنه «ربما كان هذا النمو الكبير نتيجة سعر النفط، الذي ارتفع نتيجة عوامل جيوسياسية لا دخل للاقتصاد المحلي بها، لكن ما يجب العمل عليه الآن، هو الحفاظ على تراجع تدريجي لمشاركة النفط في النمو الاقتصادي واعتماد نموذج مبني على جذب الاستثمارات، والتحول من الاقتصاد النفطي إلى اقتصاد منتج مستدام مؤثر في حركة التجارة الدولية».

وأضافوا أن القطاعين العقاري والمالي ربما يكونان الأكثر تأثراً محلياً، فيما لم تشهد القطاعات الاقتصادية الرئيسة تأثراً سلبياً ملحوظاً، ومنها قطاعا النفط والصناعات.

مكاسب قياسية

وتفصيلاً، كشفت الإحصاءات عن أن اقتصاد أبوظبي استطاع أن يحقق خلال العام الماضي مكاسب بلغت نحو 85 مليار درهم بالأسعار الجارية، إذ ارتفع الناتج المحلي الإجمالي من 535.3 مليار درهم عام 2009 إلى 620.2 مليار درهم عام 2010 بالأسعار الجارية، مؤكدة أن مرونة اقتصاد الإمارة والفوائض المالية التي يتمتع بها أسهما في إعادة الاستقرار سريعاً إلى الاقتصاد المحلي، وتجاوز تداعيات الأزمة.

وأشارت إلى أنه من المكاسب الاقتصادية الاستقرار الكبير في السوق المحلية، واستقرار معدل التضخم عند مستوى 3٪ خلال عام ،2010 مع تعزيز دور الأنشطة والقطاعات غير النفطية التي استطاعت أن تحقق معدلات نمو قوية خلال العامين الماضيين.

وبحسب الكتاب، بلغت مساهمة النفط في الناتج المحلي الإجمالي لأبوظبي نحو 49.7٪ فقط، على الرغم من ارتفاع أسعار النفط عالمياً، فيما استطاعت القطاعات الاقتصادية غير النفطية أن تحقق معدلات نمو بلغت نحو 5.6٪ خلال العام الماضي، لافتاً إلى تبني أبوظبي استراتيجية طموحة لتنويع القاعدة الاقتصادية ومصادر الدخل، نظراً لما تتعرض له أسعار النفط في الأسواق العالمية من تقلبات كبيرة نتيجة للعديد من التطورات الإقليمية والدولية.

وكشفت البيانات الأولية حول الناتج المحلي الإجمالي لإمارة أبوظبي خلال العام الماضي، أن جميع الأنشطة والقطاعات الاقتصادية من دون استثناء استطاعت أن تحقق معدلات نمو إيجابية وبنسب متفاوتة، كان أبرزها قطاع الصناعة الاستخراجية، الذي حقق معدل نمو كبيراً بلغ 28.9٪، وذلك بسبب الارتفاع الملحوظ في أسعار النفط في الأسواق العالمية.

وحقق قطاع المشروعات المالية معدل نمو سنوي بلغ 14.4٪، وقطاع الصناعة التحويلية 10.8٪، ونشاط العقارات وخدمات الأعمال 6.4٪، فيما حقق نشاط تجارة الجملة والتجزئة 5.3٪، ونشاط المطاعم والفنادق 4.6٪، أما الأنشطة والقطاعات الاقتصادية غير النفطية الأخرى، فحققت معدلات نمو إيجابية راوحت بين 1.3٪ في قطاعات النقل والتخزين والاتصالات، و2.2٪ في نشاط الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية.

وكشف الكتاب عن أن التجارة الخارجية شكلت نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي للإمارة، إذ بلغت قيمة الواردات السلعية لإمارة أبوظبي 86.6 مليار درهم في عام ،2010 كما بلغت القيمة الإجمالية لإعادة التصدير 11 مليار درهم.

معدل التضخم

كشف الكتاب أن معدل التضخم (الزيادة في أسعار سلة المستهلك) في أبوظبي بلغ 3.06٪ خلال عام ،2010 فيما أسهمت مجموعة «الإسكان والمياه والكهرباء والغاز وأنواع الوقود الأخرى» بنسبة 55.4٪ في إجمالي التضخم، بينما أسهمت مجموعة «المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية» بنسبة 36.8٪ من الإجمالي.

وكشف الكتاب عن أن عدد المنشآت الفندقية بلغ 115 منشأة في عام ،2010 وزاد عدد النزلاء بنحو 17.7٪، وعدد الغرف الفندقية بنسبة 10.2٪، بينما كانت نسبة الإشغال 64.7٪، ومتوسط مدة الإقامة 2.8 ليلة في عام .2010

كما بلغ إجمالي عدد الأعمال التجارية المسجلة نحو 96.4 ألف رخصة، وشكلت نسبة الأعمال التجارية المسجلة الجديدة 10.4٪ من إجمالي الأعمال التجارية المسجلة، وفي عام 2009 بلغ إجمالي عدد الأعمال التجارية المسجلة نحو 86.4 ألف رخصة، إذ كانت نسبة الأعمال التجارية المسجلة الجديدة 14.7٪ من إجمالي عدد الرخص.

وقال المدير العام لمركز الإحصاء في أبوظبي، بطي أحمد القبيسي، إن «الكتاب الذي يتضمن نحو 534 مؤشراً إحصائياً، بزيادة 112 مؤشراً جديداً على المؤشرات المنشورة في إصدار العام السابق، يسلط الضوء على مؤشرات ودلائل التنمية الشاملة في أبوظبي، اقتصادياً واجتماعياً وديموغرافياً وثقافياً وبيئياً»، مشيراً إلى أنه «يتضمن معلومات حديثة، تمت إضافتها في سياق جهود مركز الإحصاء، المتواصلة لإحداث نقلات نوعية كبرى في هذا الإصدار من حيث شمول البيانات ودقتها وتميز أساليب عرضها».

الإمارات الأقل تأثراً

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي، الدكتور محمد العسومي، إن «الاقتصاد العالمي تأثر كثيراً جراء الأزمة المالية، التي انعكست بشكل أكبر على الاقتصادين الأوروبي والأميركي، فيما كانت الإمارات من بين أقل الدول تأثراً بها»، مضيفاً أن «هناك أسباباً عدة وراء عدم تأثر الإمارات بتلك الأزمة، ربما من بينها أن القطاعات التي لامست الأزمة كانت محدودة، إذ اقتصرت على القطاعين العقاري والمالي، فيما لم تشهد القطاعات الاقتصادية الرئيسة تأثراً سلبياً ملحوظاً، ومنها قطاعا النفط والصناعات».

وأوضح أن «هذين القطاعين لهما إسهام ملحوظ في الناتج المحلي الإجمالي، ويشاركان في نمو الاقتصاد بصورة كبيرة، وقد تأثرا بصورة أقل بتداعيات الأزمة المالية العالمية».

وذكر العسومي أن «أسعار النفط انخفضت بصورة مؤقتة خلال الأزمة المالية، لكن سرعان ما عاودت الارتفاع، ليشارك النفط بنحو 50٪ من النمو الاقتصادي، في الوقت الذي لم تشهد كل القطاعات غير النفطية تأثراً ملحوظاً»، مبيناً أن «التنوع الاقتصادي الذي تنتهجه أبوظبي يسير بها نحو النمو المستدام، وذلك من خلال نمو المشروعات الصناعية الكبرى، ومنها المشروعات البتروكيماوية، ومصهر (إيمال)، أحد أكبر مصاهر الألمنيوم المنفردة في العالم، الذي خصص له نحو 16.5 مليار درهم لمرحلته الثانية».

وأفاد بأن «التنوع الاقتصادي في أبوظبي يسير نحو مؤشرات جيدة مع الأخذ في الاعتبار التركيبة الاقتصادية لأبوظبي، التي تحتاج إلى اليد العاملة والتنمية المستدامة»، واستطرد «ينبغي زيادة حصة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي، إذ لا يمكن الاعتماد على النفط، الذي تخضع أسعاره للتغير دورياً».

ولاحظ العسومي ارتفاع معدلات الأسعار، قائلاً إنه «من الصعب أن يكون هناك موازنة بين زيادة النمو وارتفاع معدل التضخم، إذ إن التضخم الذي شهدته الإمارات خلال العامين الماضيين، ربما يكون من نوعية التضخم المستورد الناجم عن ارتفاع عالمي لأسعار السلع، مدعوماً بزيادة الطلب على الغذاء، المرشح بدوره لمزيد من الارتفاع خلال الفترة المقبلة»، مشيراً إلى ارتفاع مستوى المعيشة في البلاد، وهو الأمر الذي يفاقم من ارتفاع الأسعار.

وتابع «ينبغي السيطرة على الأسعار من خلال عمليات الرقابة على الأسواق التي تجريها وزارة الاقتصاد، ومنع الزيادة في أسعار المحروقات».

شفافية الاقتصاد

من جانبه، قال المستشار المالي، المدير التنفيذي لشركة «بال إف إكس» للخدمات المعلوماتية، الحسن علي إبراهيم، إن «صدور الكتاب الإحصائي يعد خطوة مهمة تخطوها إمارة أبوظبي على صعيد الشفافية وتوفير البيانات اللازمة، التي من شأنها تشجيع الاستثمار في بيئة واضحة»، لافتاً إلى أن «البيانات الإحصائية من الأدوات الرئيسة في اتخاذ القرارات الاستثمارية».

وأشار إلى أن «السيولة النقدية تعد من العوامل المهمة لدفع عجلة الاقتصاد، إذ استفاد اقتصاد أبوظبي من السيولة التي استمرت في التدفق نتيجة ارتفاع أسعار النفط عالمياً، وهو الأمر الذي انعكس بشكل إيجابي على أداء القطاعات الاقتصادية الأخرى».

وأضاف إبراهيم أن «توجهات حكومة أبوظبي نحو فتح آفاق استثمارية جديدة، التي تمثلت في إطلاق مناطق تجارة حرة ساعدت شركات عدة على تحول أعمالها إلى المناطق الحرة في أبوظبي، وتدعم بقاء الإمارات عموماً الأكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب، نتيجة لموقعها الجغرافي المتميز والتسهيلات الممنوحة من قبل الحكومة لتشجيع الاستثمار»، مبيناً أن «الأزمة التي مرت بها المنطقة دفعت بالعديد من الشركات إلى التحول والتركيز على الاستثمار في إمارة أبوظبي لما توفره الإمارة من أمان في ظل بقاء الوضع الائتماني للإمارة في مستويات جيدة».

ولفت إلى أن «حاجة الإمارة إلى تطوير البنية التحتية لتتلاءم مع النمو المقترن بالسيولة العالية المتوافرة من خلال النفط، دفع بالقطاعات الإنشائية إلى عدم التأثر بالأزمة المالية العالمية والنمو خلال العام الماضي، وهو الأمر الذي يتوقع أن يستمر خلال العام الجاري».

وقال إبراهيم إنه «في ما يتعلق بالتجارة الخارجية، فإنها تعكس استمرار استثمارات البنية التحتية في الإمارة، إذ تظهر البيانات بشكل واضح أن الآلات ومعدات النقل مثلت النسبة الأكبر من الواردات»، مشيراً إلى أن «البيانات الإحصائية تظهر مدى الأهمية التي يمثلها الموقع الجغرافي للإمارة نقطة تجارية تصل الشرق مع الغرب، وتأتي هذه التطورات في ظل البنية التحتية القوية التي عملت عليها الإمارة، من حيث توفير الموانئ المناسبة والمناطق الحرة التي تعطي الإمكانية للدول الأخرى لاعتماد أبوظبي نقطة مهمة لاستثماراتها في إعادة التصنيع وإعادة التصدير».

تويتر