مسؤول حدودي وصفه بحالات فردية.. و«الجمارك» تعتبره شأناً سعودياً داخلياً

شركتا نفط تحذّران من آثار تهريب الوقود عــبر الحدود البرية

675 درهماً فارق السعر في تعبئة خزان الشاحنة بين الإمارات ودول مجــــــــــــــــــــــــــــــــــاورة. تصوير: جوزيف كابيلان

حذر خبراء اقتصاديون من تهريب مشتقات نفطية من دول مجاورة للإمارات، لافتين إلى آثار سلبية خطيرة للتهريب في الاقتصاد المحلي، لتأثيره في الشركات الوطنية، إضافة إلى أنه وسيلة لدخول سلع خارج نطاق الرقابة، قد تكون لها تأثيرات بيئية وصحية. كما حذرت شركتا توزيع محليتان لمشتقات النفط من تراجع مبيعات الشركات الوطنية جراء عمليات التهريب. وأقر مسؤول في «إينوك» بتراجع المبيعات حالياً.

وقالوا إن خطر التهريب يزداد كلما ازدادت استراتيجية وأهمية السلع المهربة، خصوصاً المشتقات النفطية، وهي سلع تمثل جزءاً رئيساً من كلفة الإنتاج والعمل في أي دولة، مشيرين إلى أن التهريب عادة يحدث نتيجة ارتفاع سعر سلعة ما في السوق المحلية، وبالتالي يتم اللجوء إلى تهريبها.

وكان مسؤول في هيئة الجمارك السعودية كشف، قبل أيام، عن تهريب للنفط تحت مسميات زيت محروق أو زيت طعام، وقال إن الإمارات من أكثر الدول التي يتم التهريب إليها، لارتفاع سعر المنتجات النفطية فيها.

وفي المقابل، نفت الهيئة الاتحادية للجمارك تلقيها أي خطاب رسمي من السلطات السعودية بشأن تهريب نفط سعودي إلى الإمارات. وقال المدير العام للهيئة بالإنابة، خالد البستاني، إن «عمليات التهريب، إن وجدت، شأن سعودي داخلي، لأنها تتم انطلاقاً من الأراضي السعودية».

كما نفى مدير إدارة الاتحاد الجمركي الخليجي في الأمانة العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في الرياض، محمد أحمد الهيف، أن يكون المجلس تلقى أي شكاوى من السلطات السعودية، بشأن تهريب نفط سعودي إلى دول من بينها الإمارات»، مؤكداً أنها المرة الأولى التي يسمع فيها عن مثل هذا الأمر.

وتتصدر الإمارات قائمة أغلى الدول الخليجية من حيث أسعار البنزين، ما رفع أسعاره بزيادة تصل الى 25٪، وبلغ سعر اللتر الواحد للبنزين (فئة 95 أوكتين) 1.72 درهم، تلتها عُمان بسعر 1.5 درهم للتر الواحد، والبحرين بسعر 99 فلس للتر الواحد، والكويت بسعر 95 فلس، وأخيراً قطر بسعر 69 فلس للتر الواحد، في حين كانت السعودية السوق الأرخص بين دول الخليج بسعر يبلغ 55 فلسا للتر الواحد.

حالات فردية

وتفصيلاً، قال مسؤول أمني، فضل عدم ذكر اسمه، في منفذ الغويفات الحدودي مع السعودية، إن «عمليات تهريب نفط سعودي إلى الإمارات، حالات فردية محدودة ولا تشكل ظاهرة»، لافتاً إلى أن الكميات المهربة متفاوتة بشكل كبير، ويفرض عليها رسوم جمركية في حال اكتشافها، لتعادل الأسعار المماثلة للمنتج داخل الدولة.

وأكد أنه «تم ضبط محاولات تهريب مشتقات نفطية من السعودية إلى الإمارات عبر المنفذ الحدودي بين البلدين»، مبينا أن أكثر المواد التي تم ضبطها هي «الديزل» الذي يزيد سعره في الأسواق المحلية، مقارنة بالسوق السعودية، من خلال أفراد يحملون كمية بما يزود سيارة، أو شاحنة تحمل كمية كبيرة.

وأوضح أن «الحالات المضبوطة لا تشكل ظاهرة مقلقة، إذ يقوم بها أفراد يسعون إلى الاستفادة من فروق الأسعار في الديزل»، مشدداً على أن «المنفذ الحدودي يشتمل على أجهزة تكنولوجية حديثة تتمكن من كشف عمليات التهريب كافة».

تراجع المبيعات

من جانبه، حذر مدير الإعلام والتسويق في شركة بترول الإمارات الوطنية (إينوك)، خالد هادي، من أن تهريب مشتقات نفطية إلى الإمارات قد تؤدي إلى تأثيرات سلبية في مبيعات شركات التوزيع المحلية عموماً، مؤكداً تراجع المبيعات حالياً بسبب الديزل المهرب. وأوضح هادي، أن «هناك تأثيرات بيئية خطيرة من استخدام تلك المواد، فالإمارات تنتج واحداً من أنقى أنواع الديزل في العالم، والذي يراعي الشروط والمواصفات الصناعية الخاصة بها، والتي تراعي البيئة، فيما ليس معروفاً مدى ملاءمة المشتقات النفطية المهربة للالتزام البيئي، ما يمكن أن يمثل ضرراً كبيراً على البيئة، وصحة الإنسان»، داعياً إلى مزيد من التنسيق بين السلطات الجمركية في البلدين، لضبط عمليات التهريب وزيادة الرقابة على الحدود.

وأضاف أنه «من الصعب تحديد كمية الديزل والمشتقات النفطية المهربة التي دخلت الدولة»، لافتاً إلى أن «قضية تهريب الديزل ترتبط أساساً باختلاف أسعار الديزل في كل من الإمارات والسعودية وعُمان، ففي وقت حررت فيه الإمارات أسعار المشتقات النفطية، أبقت تلك الدول على دعما لها، ما خفض سعرها في تلك الأسواق مقارنة بالإمارات».

وفي السياق ذاته، قال مسؤول في شركة الإمارات للمنتجات البترولية (إيبكو)، فضل عدم ذكر اسمه، إن «تهريب الوقود عبر منافذ الحدود البرية للدولة، يلحق ضرراً بمبيعات شركات توزيع الوقود الوطنية، نظراً لاختلاف الأسعار، إضافة إلى حدوث مشكلات فنية للمركبات التي تستخدم الوقود المهرب، في حال عدم مطابقته المواصفات المعتمدة من قبل هيئة المواصفات والمقاييس في الدولة».

وطالب بخطط رادعة لمواجهة التهريب، والبيع غير الرسمي للوقود في المناطق المختلفة، وحماية المستهلكين من وقود قد يؤثر في مركباتهم.

وأكد أن «عمليات التهريب موجودة ولا ترتبط بانخفاض أو ارتفاع أسعار الوقود في الدولة».

«اقتصاد الظل»

إلى ذلك، حذر الخبير الاقتصادي، عرفان الحسني، من أن التهريب يمثل بعثرة لجهود وخطط الدول، في ما يتعلق باستراتيجيتها لتنظيم أي سلعة، فهو يؤدي إلى إرباك هيكل التكاليف والإنتاج في الاقتصاد الوطني، ويحدث حالة تشبه الإغراق في الاقتصاد.

وقال إن «بيع بضائع بأسعار أقل من مثيلتها في السوق المحلية، أمر خطير ويمثل جانباً مما يسمى (اقتصاد الظل)، أو الاقتصاد غير الرسمي، الذي يخرج عن النطاق الشرعي»، مؤكداً أن دول العالم تكافح التهريب بصوره كافة، إذ إن آثاره السلبية تشمل الدول المصدرة والمستقبلة أيضاً.

وأضاف أنه «يجب أن يكون الاقتصاد منظماً، لأن أي نشاط تجاري خارج هذا الإطار الشرعي، قد يمثل إجحافاً لبعض أطراف العملية التجارية»، لافتاً إلى أن «خطر التهريب يزداد كلما ازدادت استراتيجية وأهمية السلع المهربة، خصوصاً المشتقات النفطية، وهي سلع تمثل جزءاً رئيساً من كلفة الإنتاج والعمل في أي دولة، كما أنه يحدث نتيجة ارتفاع سعر سلعة ما في السوق المحلية، وبالتالي يتم اللجوء إلى تهريبها».

وبين أن الاقتصاد يتأثر إذا تأثرت شركاته، خصوصاً إذا كانت تلك الشركات كبيرة، وتمثل محوراً للاقتصاد مثل شركات النفط»، لافتاً إلى مواصفات تلك البضائع المهربة، والتي تكون خارج رقابة الجهات الرسمية، ما يؤثر في صحة الإنسان وبيئته.

تأثير ضعيف

 فارق سعري كبير

قال سائق شاحنة، عصام محمد، إن «فارق أسعار الديزل بين الإمارات والدول المجاورة لاسيما السعودية، تغري السائقين على بيع الديزل المخزن في مركباتهم، وسيلة للتربح تساعد السائق على إتمام رحلته من دولته إلى أخرى»، لافتا إلى أن «فارق السعر يحقق أرباحاً تجاوز 500 درهم للمرة الواحدة». وبين أن «متوسط سعة خزان الوقود الخاص بالشاحنات تراوح بين 300 لتر إلى 350 لتراً، فيما تبلغ تكلفة تعبئة خزان الشاحنة بالديزل في السعودية نحو 75 درهماً للديزل»، موضحاً أن سعر لتر الديزل يبلغ نحو 25 هللة (نحو 25 فلساً)، بينما يبلغ في الإمارات 2.6 درهم للتر الواحد، لتبلغ تكلفة تعبئة خزان الشاحنة نحو 750 درهماً، ما ينتج عنه فارق سعري يبلغ نحو 675 درهما».

وأضاف أن «تكلفة تعبئة خزان وقود الشاحنة في عمان تبلغ نحو 420 درهماً، إذ يصل سعر لتر وقود الديزل إلى نحو 146 بيسه (نحو 1.4 درهم)». وأوضح أنه لا يواجه مشكلات في عبور بوابات الجمارك، ما دامت المستندات والوثائق صالحة، مؤكداً وجود مشترين للديزل المهرب. وأضاف أن سائقين يلجأون إلى زيادة سعة خزان الوقود في الشاحنة، أو تصميم خزانات إضافية، إضافة إلى خلط الديزل بزيت محروق داخل خزان الوقود الخاص بالشاحنات الكبيرة حتى إذا ما تمت معاينته من قبل مفتشي الجمارك يتبين لهم أنه زيت محروق.

http://media.emaratalyoum.com/inline-images/283695.jpg

أما الخبير الاقتصادي، الدكتور أحمد البنا، فقال «لا يوجد أثر اقتصادي حقيقي في الإمارات جراء تهريب الوقود، لاسيما الديزل، خصوصاً أنها ليست موجودة على ارض الواقع بشكل واسع».

وتابع: «لم نسمع عن عمليات تهريب واسعة، في ظل وجود سلطات رقابية تسيطر على مثل هذه الحالات»، مشيراً إلى أن تهريب الديزل في خزانات شاحنات عملية غير منظمة لا تسمن ولا تغني من جوع، وأعتقد أن فوائدها التجارية أو المالية غير مجدية حتى على أصحابها. وأكد أن «هذه الحالات الفردية غير قادرة على إحداث تأثيرات واضحة في حركة الاقتصاد وسوق المشتقات النفطية، لكن من المحتمل أن تترك آثارها في شركات توزيع الوقود في الدولة بشكل محدود للغاية»، لافتا إلى أن الجهات المسؤولة لن تسمح بعمليات تهريب منظم، خصوصاً في ظل الرقابة الصارمة التي تفرضها مستعينة بأحدث الطرق.

إلى ذلك أكد مدير الاستثمار في شركة «ثري إي كابيتال غروب»، سامر قضماني، أنه لا يمكن تتبع أو حصر ظاهرة تهريب الوقود، خصوصاً أن معظم هذه العمليات يتم بشكل فردي، وعلى نطاق ضيق للغاية، وتدور أحداثه بين مالكي الشاحنات.

وأوضح أن «تأثير هذه العمليات في شركات التوزيع ليس كبيراً، كونها لا تعتمد على سلعة الديزل وحدها في مبيعاتها، إضافة إلى ضيق الفئة التي تستخدم الديزل في الدولة، كما أن أكثر من نصف هذه الشاحنات غير محلي، وهي عوامل تقلل من تأثير عمليات التهريب الفردية للوقود».

ولفت إلى أن كل هذه العوامل لا تعني عدم وجود تأثيرات ولو بسيطة في قطاع المشتقات وتوزيع الوقود والنقل والشحن، فهذه القطاعات هي الاكثر ارتباطا بهذه الظاهرة، إلا أن تأثيرها لايزال في إطار محدود، ما يعني أن تداعياتها على أداء الاقتصاد تكاد تكون منعدمة.

تويتر