الجنيه الإسترليني لأدنى مستوى في 31 عاماً.. والقيمة السوقية لأسهم «فايننشال تايمز» تفقد 136.7 مليار دولار

خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يخيّم بظلال سلبية على الأسواق العالمية

صورة

تكبدت الأسواق الأوروبية خسائر كبيرة أمس، بسبب تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لتحذو بذلك حذو الأسواق الآسيوية، والجنيه الإسترليني الذي تراجع إلى أدنى مستوى له في 31 عاماً، منذ عام 1985. وهبط مؤشر «فايننشال تايمز 100» البريطاني أكثر من 8% عند فتح السوق أمس، بما قلص القيمة السوقية للأسهم القيادية الكبرى في بريطانيا بأكثر من 100 مليار جنيه إسترليني (136.7 مليار دولار)، مسجلاً أكبر خسارة يومية بالنسبة المئوية منذ أكتوبر 2008.

وأعلن البنك المركزي البريطاني استعداده لضخ 250 مليار جنيه إسترليني (326 مليار يورو) من الأموال الإضافية لتأمين السيولة الكافية لعمل الأسواق، كما أكد البنك المركزي الأوروبي استعداده لضخ سيولة إضافية باليورو والعملات الأجنبية إذا اقتضت الضرورة ذلك.

في المقابل، استفادت أسواق الذهب إيجاباً من هذه التداعيات، فقد حقق المعدن الأصفر أمس أعلى مكاسبه منذ الأزمة المالية العالمية في 2008، وقفز 8% إلى أعلى مستوياته في أكثر من عامين.

الجنيه الإسترليني

وتفصيلاً، انهارت الأسواق الأوروبية عند الافتتاح أمس، بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لتحذو بذلك حذو الأسواق الآسيوية، والجنيه الإسترليني الذي تراجع إلى أدنى مستوى له منذ عام 1985. وهبط مؤشر «فايننشال تايمز 100» البريطاني أكثر من 8% عند فتح السوق أمس، بما قلص القيمة السوقية للأسهم القيادية الكبرى في بريطانيا بأكثر من 100 مليار جنيه استرليني (136.7 مليار دولار).

«بي بي» مستمرة في المملكة المتحدة

قالت شركة النفط البريطانية «بي بي»، أمس، إن مقرها الرئيس سيبقى في المملكة المتحدة على الرغم من تصويت البريطانيين لصالح خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي.

وأكدت الشركة أنه «حتى الآن من المبكر جداً فهم تفاصيل تداعيات هذا القرار، والضبابية ليست مفيدة أبداً لنشاط مثل نشاطنا، ولا نتوقع في الوقت الحالي حدوث أثر كبير في أنشطة أو استثمارات الشركة في المملكة المتحدة والقارة الأوروبية، أو في موقع مقرنا أو موظفينا».

تأثيرات سلبية في التصنيف الائتماني

قالت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني، أمس، إن تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي يؤثر سلباً في التصنيف الائتماني السيادي لبريطانيا، وتصنيفات المصدرين الآخرين لأدوات الدين في البلاد.

وأضافت الوكالة في بيان: «هذه النتيجة تحمل في طياتها فترة طويلة من الضبابية بشأن السياسات، وستفرض ضغوطاً على الأداء الاقتصادي والمالي للمملكة المتحدة».

والمملكة المتحدة حاصلة على تصنيف يقل درجة واحدة عن ‭‭‭AAA‬‬‬ من وكالة «موديز» مع نظرة مستقبلية مستقرة.

ونزل مؤشر «فايننشال تايمز 100» البريطاني للأسهم القيادية نحو 7% في أوائل التعاملات مسجلاً أكبر خسارة يومية بالنسبة المئوية منذ أكتوبر 2008، حين هبطت الأسواق العالمية في أعقاب انهيار مصرف «ليمان براذرز». وهوى مؤشر «فايننشال تايمز 250» لأسهم الشركات المتوسطة الذي تهيمن عليه الشركات المنكشفة على الاقتصاد البريطاني 11.4%. وكانت أسهم البنوك وشركات بناء المنازل والشركات العقارية من بين الأسهم الأكثر تضرراً في السوق.

كما تراجعت بورصتا باريس وفرانكفورت 10% تقريباً، ولندن بأكثر من 7%. وتراجع مصرف «دويتشه بنك» و«بي إن بي باريبا» بأكثر من 16%، بينما تراجع «سوسييتيه جنرال» بأكثر من 25%.

وأدت تداعيات الخروج إلى هبوط الجنيه الإسترليني 10% أمس، وهو أدنى مستوى له منذ ما قبل توقيع اقتصادات العالم الكبرى على اتفاق لتخفيض قيمة الدولار في سبتمبر 1985، أي منذ 31 عاماً، بما دفع المستثمرين في الأسواق العالمية إلى التهافت على الملاذات الآمنة، مثل الين والفرنك السويسري.

العملة البريطانية

وهوى الجنيه الإسترليني أكثر من 10% إلى 1.3228 دولار، وتعافت العملة البريطانية من تلك المستويات المتدنية ليتم تداولها بسعر 1.3770 دولار، وعزا المتعاملون هذا التعافي إلى تصريحات رئيس بنك إنجلترا المركزي مارك كارني، بأن البنك مستعد لتقديم المزيد من الدعم.

وتوقع بنك «مورغان ستانلي» هبوط الجنيه الاسترليني إلى ما بين 1.25 و1.30 دولار.

كما خفض «بنك إتش إس بي سي» توقعاته للجنيه الإسترليني إلى 1.25 دولار بنهاية الربع الثالث من العام الجاري، ثم إلى 1.20 دولار بنهاية العام الجاري، كما خفض توقعات نهاية العام لليورو إلى 1.10 دولار من 1.20 دولار في السابق.

وارتفع اليورو أكثر من 8% إلى 83.15 بنساً مسجلاً أعلى مستوياته في أكثر من عامين، غير أن العملة الأوروبية الموحدة هبطت أمام الدولار إلى 1.0912 دولار، وهو مستوى منخفض لم تشهده منذ مارس الماضي قبل أن تتعافى إلى 1.1140 دولار، وهبط اليورو 2% أمام الفرنك قبل أن يتعافى ليتم تداوله بانخفاض نسبته 0.7% عند 1.0830 فرنك، وصار البنك المركزي السويسري الأول بين البنوك المركزية الكبرى الذي يتدخل لتخفيض قيمة الفرنك. وقالت اليابان إنها سترد على تحركات سعر الصرف العنيفة للغاية بما يعطي إشارة إلى استعدادها للتدخل.

أسعار النفط

من جانبها، تأثرت أسعار النفط أيضاً بالأجواء العامة، فقد خسر برميل النفط الخفيف (لايت سويت كرود) تسليم أغسطس المقبل 3.11 دولارات، أي 6.21% من قيمته، ليسجل 47.77 دولاراً في التبادلات الالكترونية في آسيا. كما تراجع برميل «برنت» أيضاً بنسبة 2.4% ليسجل 48.4 دولاراً. وقال المحلل لدى «سي ام سي ماركتس» في سيدني لوكالة «بلومبيرغ»، إن «النفط يتأثر بالفوضى التي تسود الأسواق بعد التصويت».

وبالنسبة لأسواق المال الآسيوية، تراجعت بورصة طوكيو بنحو 8% عند الإغلاق، كما خسر عملاقا تصنيع السيارات اليابانيّان «تويوتا» و«نيسان»، اللذين لديهما مقار في بريطانيا، أكثر من 8%، وتراجعت بورصة هونغ كونغ بأكثر من 5% في النصف الثاني من جلسة التداول، وكان مصرفا «اتش اس بي سي» و«ستاندرد تشارترد» الأكثر تضرراً مع تراجع بأكثر من 10% و11% على التوالي، كما تراجعت بورصتا سيدني وسيول بأكثر من 3%، وشنغهاي بأكثر من 1%.

المعدن الأصفر

وبالنسبة للذهب، حقق المعدن الأصفر أمس أعلى مكاسبه منذ الأزمة المالية العالمية في 2008، وهو ما أذكى اضطرابات السوق التي دفعت المستثمرين للإقبال على الأصول الآمنة، وقفز المعدن الأصفر 8% إلى أعلى مستوياته في أكثر من عامين مقتفياً أثر مكاسب الملاذات الآمنة الأخرى مثل السندات، مع هبوط الأصول التي تنطوي على مخاطر مثل الأسهم والجنيه الإسترليني.

وارتفع الذهب في المعاملات الفورية 5.1% إلى 1319.60 دولاراً للأوقية (الأونصة) بعدما صعد في وقت سابق إلى 1358.20 دولاراً للأوقية، مسجلاً أعلى مستوى له منذ مارس 2014، وكان الذهب قفز نحو 11% في سبتمبر 2008، وزاد الذهب في العقود الأميركية الآجلة تسليم أغسطس 4.7% إلى 1322.80 دولاراً للأوقية.

تأمين السيولة

من جهته، أعلن حاكم البنك المركزي البريطاني مارك كارني، أمس، أن البنك مستعد لضخ 250 مليار جنيه استرليني (326 مليار يورو) من الأموال الإضافية لتأمين السيولة الكافية لعمل الأسواق بعد انتصار معسكر الخروج من الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء.

وأضاف أن البنك «قادر أيضاً على تأمين سيولة كبيرة بالعملات الأجنبية في حال الضرورة».

بدوره، أكد البنك المركزي الأوروبي أمس، إنه مستعد لضخ سيولة إضافية باليورو والعملات الأجنبية إذا اقتضت الضرورة ذلك. وقال في بيان: «عقب نتيجة الاستفتاء البريطاني يراقب البنك المركزي الأوروبي أسواق المال عن كثب، كما أنه على اتصال وثيق مع غيره من البنوك المركزية». وسجلت سندات الدين الألمانية نتيجة سلبية، كما كان معدل الاقتراض على 10 سنوات في فرنسا وبريطانيا عند أدنى مستوى تاريخي له، بينما تجاهل المتعاملون سندات ديون الدول الأكثر هشاشة، وقد يحرم قرار الخروج بريطانيا من تجارة السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، وسيتطلب منها أن تبرم اتفاقات تجارية جديدة مع بلدان العالم.

من جانبه، سيتضرر الاتحاد الأوروبي اقتصادياً وسياسياً مع رحيل دولة لم تكن فقط أقوى مناصر لاقتصاد السوق الحر، لكنها أيضاً تتمتع بعضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي وبجيش قوي، وسيخسر الاتحاد نحو سدس ناتجه الاقتصادي دفعة واحدة.

وسيشكل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي انتقالاً نحو المجهول لاقتصاده مع تباطؤ النمو وارتفاع نسبة البطالة، وعلاوة على الانعكاسات المباشرة على البلاد وسواها، فإن الخروج من الكتلة الأوروبية يمكن أن يؤدي إلى عواقب سلبية على المدى الطويل، كما حذرت المؤسسات الكبرى مثل صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية قبل التصويت.

نداء عاجل

من جانبه، قال وزير الاقتصاد الألماني زيجمار جابرييل، أمس، إن «قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي ليس نهاية أوروبا، لكن يتعين على بروكسل أن تنظر إلى النتيجة كإشارة تحذيرية ونداء عاجل لإصلاح التكتل».

وأشار المحلل لدى «إي جيه فرانس»، ألكسندر باراديز، إلى أن «الأسواق لا تصدق ما حصل، وفوجئت بالنتائج غير المتوقعة، والأمر مثل العدوى التي تنتشر». وقال المحلل في مجموعة «اي تي اكس كابيتال»، جو راندل، إنها «واحدة من كبرى الصدمات في الأسواق في التاريخ»، مضيفاً أن «كل العالم سيشعر بالانعكاسات».

وأضاف أن «حجم الأضرار يصعب تقييمه، لكنه سيكون الأكبر على الأرجح منذ إفلاس مصرف (ليمان براذرز) في 2008». وأكد مسؤول العملات الأجنبية لدى مصرف «سوميتومو ميتسوي تراست»، يوسوكي هوسوكاوا، أن «الضغوط على الجنيه الإسترليني يمكن أن تتزايد، ولم أشهد مثل هذه الفوضى منذ زمن طويل».

في السياق نفسه، قال الخبير الاقتصادي بمعهد «إيفو» الألماني، كلاوس فولرابه، أمس، إن «تأثير تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في ألمانيا في الأمد القريب لا يدعو للقلق»، مضيفاً أنه لا يرى ضرورة لتعديل توقعات النمو الاقتصادي الألماني للعام الجاري.

تويتر