سمحت للباحثين بجمع قدر كبير من البيانات بكلفة ميسورة وبسهولة خلال فترة وجيزة

بيانات «فورسكوير» تتيح دراسة التنوع الثقافي في العالم

صورة

على الرغم من أهمية دراسة التباين الثقافي والعادات والسلوكيات المختلفة التي تميز كل منطقة في العالم، والنتائج المهمة التي تقدمها برسم خرائط ثقافية للتنوع البشري، فإنها تتضمن العديد من التحديات؛ نظراً لكلفتها المرتفعة وحاجتها إلى كثيرٍ من الوقت والجهد.

ويُعد «مسح القيم العالمية» النموذج الأهم لهذا النوع من الدراسات، ويضم شبكة عالمية من علماء الاجتماع الذين يدرسون القيم الإنسانية، وتأثيرها في الحياة الاجتماعية والسياسية.

وخلال السنوات الممتدة بين 1981 و2008، أجريت أكثر من 250 ألف مقابلة في 87 بلداً، ما وفر قدراً كبيراً وثميناً من البيانات. ويتواصل العمل إلى الآن، لكن في الوقت نفسه يواجه صعوبات بسبب الوقت والكلفة، لذلك سعى فريق من علماء الحاسب في «الجامعة الاتحادية دي ميناس جيرايس» في البرازيل، للبحث عن بديل يستفيد من كميات البيانات الهائلة التي يشاركها وينشرها الناس في مختلف أنحاء العالم في الشبكات الاجتماعية، وهي طريقة لجمع البيانات ربما تحدث ثورة في أساليب دراسة الثقافة العالمية.

واعتمد الباحثون في دراسة الاختلافات الثقافية على بيانات جمعت من الشبكة الاجتماعية المعتمدة على الأماكن «فورسكوير»، إذ يسجل المستخدمون زياراتهم لأماكن معينة، ما سمح لفريق البحث بجمع قدر هائل من البيانات بكلفة ميسورة وبسهولة خلال فترة وجيزة، وفق ما عرض لها موقع «إم آي تي تكنولوجي ريفيو».

وذكرت الدراسة أن مجموعة البيانات المُستخدمة التي تمتد أسبوعاً ضمت عدداً من المستخدمين يساوي من حيث ترتيب الحجم المقابلات نفسها التي جرت خلال «مسح القيم العالمية» على مدى ثلاثة عقود.

وركز الباحثون في دراسة اختلاف عادات تناول الطعام والشراب بين مختلف أجزاء العالم مثل اليابان وماليزيا والبرازيل؛ نظراً لأهمية تناول الطعام والشراب، ليس فقط كحاجة إنسانية أساسية، لكن أيضاً كمؤشر إلى الفروق بين الأشخاص والمجتمعات من خلال العادات والسلوكيات المرتبطة به.

وتوفر بيانات «فورسكوير» إضاءات على هذه الجوانب؛ لأن مستخدميها يسجلون توقيت زيارتهم «شيك إن» ومغادرتهم للأماكن المختلفة، ليس فقط المرتبطة بالطعام والشراب، بل أيضاً المتصلة بأنشطة أخرى مثل الترفيه والرياضة والسفر.

وركزت دراسة الباحثين على تفضيلات الأفراد للطعام والشراب، ومدى اختلافها بحسب الأوقات المختلفة في اليوم والموقع الجغرافي، لذلك قارنت عدداً كبيراً من التفضيلات الفردية في الأجزاء المختلفة من العالم، لرصد أوجه الاتفاق والاختلاف في ما بينها.

وعمد الباحثون إلى تحميل ما يقرب من خمسة ملايين تغريدة في موقع التدوين المُصغر «تويتر»، تتضمن تسجيل المستخدمين لزيارة الأماكن في «فورسكوير»، نظراً لأن الأخيرة لا تسمح بنشر بياناتها، وتضمنت التغريدات روابط تُوجه إلى «فورسكوير» توفر معلومات عن الموقع، وتجاهلت الدراسة الأماكن التي لا تتعلق بتناول الأطعمة والمشروبات.

وكانت النتيجة 280 ألف تسجيل للتواجد في مواقع ترتبط بتناول المشروبات تعود إلى 160 ألف شخص، وأكثر من 400 ألف تسجيل ترتبط بتناول الأطعمة السريعة ترجع إلى 230 ألف شخص، ونحو 400 ألف تسجيل لأماكن ترتبط بالطعام العادي أو ما أسماه الباحثون «الطعام البطيء».

وقسم فريق البحث الفئات الثلاث إلى فئات فرعية؛ فعلى سبيل المثال، تضمن قسم المشروبات 21 فئة فرعية من أنواع المقاهي، وشمل قسم «الطعام البطيء» 53 فئة منها المطاعم الصينية، واليونانية، والفرنسية، والمتخصصة في اللحوم ونحو ذلك.

ويتضمن كل تسجيل أو «شيك إن» الوقت والموقع الجغرافي، ما سمح للباحثين بمقارنة السلوكيات من حول العالم، ومثلاً قارنت الدراسة بين أوقات تناول الطعام والشراب في البلدان المختلفة سواء خلال أيام الأسبوع أو في أيام عطلة نهاية الأسبوع، كما قارنت اختيارات الناس في المطاعم وتناول الأطعمة السريعة والمشروبات بحسب القارات والبلدان، وحتى بين مدن مثل نيويورك ولندن وطوكيو.

ووفرت نتائج الدراسة رؤية أوسع لاختلاف العادات البشرية، فتمتلك العديد من الأماكن سلوكيات متشابهة مثل ماليزيا وسنغافورة، والأرجنتين وشيلي، وهو تشابه مُتوقع بالنظر إلى التقارب الثقافي والتاريخي بين هذه البلدان. وفي المقابل، أظهرت النتائج أوجهاً غير متوقعة للاتفاق، فعكست مقارنة عادات الشراب تشابهاً كبيراً بين البرازيل وفرنسا اللتين يفصل بينهما المحيط الأطلسي، أكثر مما يجمع فرنسا وإنجلترا في القارة ذاتها، ويفصلهما القنال الإنجليزي أو بحر المانش فقط. كما بدت الاختلافات في العادات الزمنية مُثيرة للاهتمام، فيميل البرازيليون إلى تناول الطعام والشراب في وقتٍ متأخر عن الأميركيين والبريطانيين، كما مثلت الأوقات المتأخرة من المساء في عطلات نهاية الأسبوع وقت الذروة في أماكن تناول المشروبات في كلٍ من الولايات المتحدة والبرازيل، بعكس البريطانيين الذين تتوزع ساعات الشراب لديهم على مدار اليوم خلال عطلات نهاية الأسبوع.

كما تُظهر المدن ضمن بلدٍ واحد نمطاً متشابهاً من السلوك، فعكست معظم المدن الأميركية نمطاً يماثل نيويورك وشيكاغو، في حين شكلت مدينة لاس فيغاس استثناء، وشهدت نشاطاً كثيفاً حتى وقت الفجر نظراً لتوفيرها أنشطة لا تحدث في المدن الأخرى.

واتجه فريق البحث إلى مقارنة ما توصلوا إليه عبر بيانات «فورسكوير» بنتائج «مسح القيم العالمي» الذي يتناول جوانب مختلفة لتباين الثقافات، بعكس الدراسة التي اقتصرت على العادات المتصلة بالطعام والشراب، لكن على الرغم من تركيز الدراسة على جانب واحد للثقافة الإنسانية، فإن التشابه بين المنهجين كان مثيراً للدهشة.

وأظهرت المقارنة بين المنهجين اختلافين رئيسين؛ الأول أن البيانات المجموعة من موقع «فورسكوير» لم تعكس وجود كتلة إسلامية، فتشابهت تركيا مع روسيا، وبدت إندونيسيا مرتبطة بماليزيا وسنغافورة، والثاني أن النتائج أظهرت الولايات المتحدة والمكسيك ككتلة خاصة، في حين يضعها «مسح القيم العالمي» ضمن مجموعات «المتحدثين بالإنجليزية» و«أميركا اللاتينية».

وحملت الدراسة عنوان «أنت ما تأكل وتشرب.. تمييز الحدود الثقافية من خلال تحليل عادات الطعام والشراب في (فورسكوير)». ويشير منهجها ونتائجها إلى دور التنقيب في البيانات في إحداث ثورة في الطريقة التي يدرس بها علماء الاجتماع والأنثربولوجيا، أي «علم الإنسان»، الثقافة الإنسانية في جميع أنحاء العالم، والتأثيرات المحتملة لذلك، إلى جانب دور الشبكات الاجتماعية في تيسير دراسة المجتمعات.

تويتر